languageFrançais

مهرجان الحمامات: 'قم ترى' تحيي التراث الجزائري بروح عصرية وتدعو للتأمل

كان مسرح مهرجان الحمامات الدولي، ليلة أمس، على موعد مع رحلة موسيقية فسيفسائية حملت توقيع فرقة "قم ترى"، المشروع الجزائري-الفرنسي الذي يمزج بين الشعبي الجزائري، الرباعي الكلاسيكي للأوتار، الجاز، والموسيقى الالكترونية المعاصرة.

إقبال محدود تفاعل مفتوح

رغم أنّ الحضور الجماهيري كان متواضعًا، فإنّ التفاعل كان لافتًا. بعض الحاضرين جاءوا لاكتشاف التجربة لأوّل مرة، وآخرون تابعوا خطوات الفرقة لأكثر من عشر سنوات، ليجدوا في هذه السهرة امتدادا لما أحبوه منذ البداية، مؤكّدين على أنّ الجاذبية بين العازفين كانت مميّزة، وأنّ الكيمياء الموسيقية بينهم خلقت حالة سفر حقيقية للجمهور، سواء للذين حضروا برفقة أصدقائهم أو شركاء حياتهم أو بمفردهم.

سهرة بنكهة الأصالة والابتكار

قدّمت الفرقة أعمالًا من ألبومها الأخير "براعم اللوز"، الذي حظي بإشادة واسعة وحلّ ضمن قائمة أفضل ألبومات الموسيقى العالمية لعام 2023، إلى جانب مقطوعات تراثية لرموز الشعبي مثل دحمان الحراشي. كما أدّت الفرقة مختارات قديمة و جديدة ، نذكر منها: "زيدان"، "يا طالب"، "خايف"، "قم ترى"، و"كورونا" وغيرها من المقطوعات التي عملوا عليها طيلة سنوات، والتي لاقت تفاعلًا كبيرًا من الجمهور الحاضر.

التوليفة التي ظهرت على الركح جمعت بين حرارة الشعبي وعمق الكمان والتشيللو، وحيوية الإيقاعات الجازية، ولمسات الكترونية معاصرة أضفت بعدًا جديدًا.

قصيدة قديمة.. بذرة المشروع

اختار كريم موريس، قائد المشروع ومؤلفه وموزعه، اسم "قم ترى" من قصيدة تراثية جزائرية للشاعر محمد بندبّه تعود إلى القرن الثامن عشر، وهي قصيدة معروفة في الأندلس وتحمل في جوهرها دعوة إلى التأمل. هذا النص التراثي أيقظ بداخله إحساسًا غريزيًا بالعودة إلى الجذور، ورغبة في صياغة مشروع موسيقي يربط الماضي بالحاضر، كما لو كان زهرة تنبت من أرض ضاربة في التاريخ، لكنها تتفتح بألوان وأنماط موسيقية متعددة.

بين الشعبي والجاز.. زواج موسيقي متكامل

عمل موريس على المزج بين الشعبي الجزائري والجاز والموسيقى الكلاسيكية، في محاولة لخلق توازن بين هذه العوالم. بالنسبة له، كان التحدي في الحفاظ على الجوهر التقليدي للتراث وفي الوقت نفسه تقديمه في ضوء جديد ينقله إلى فضاء مختلف. ويقارب موريس العمل الموسيقي كما يقارب الفيلم، ببداية ونهاية واضحتين، وبينهما رحلة تدفع المستمع إلى مواصلة الإصغاء حتى آخر نغمة. الآلات التي اعتمدها جمعت بين الكلاسيكي والجازي والشعبي، وهي صيغة احتاجت إلى سنوات من الدراسة والبحث للوصول إلى هذا الانسجام.

رسالة إلى الإنسانية

يحمل المشروع رسالة إنسانية واضحة تدعو إلى التأمل في الجمال والحب، وإلى الإيمان بإمكانية العيش المشترك رغم الاختلافات الثقافية والحضارية. بالنسبة لموريس، الأمر يتطلّب جهدًا من الجميع، ونظرة إيجابية للعالم والشعوب، حيث يمكن للتعددية أن تكون مصدر غنى لا سببًا للفرقة.

تبسيط التراث للجيل الجديد

من جانبه، يرى حميدو، المغنّي الرئيسي بفرقة "قم ترى" أنّ المشروع هو إعادة إحياء التراث الشعبي الجزائري وجعله أقرب إلى الشباب، مع تبسيطه حتى يصل إلى المستمع الأجنبي الذي قد لا يعرف موسيقى شمال إفريقيا.

وقد تمّ تقديم الشعبي في قلب العمل، على أن تأتي بقية الأنماط الموسيقية لخدمته، مع تزيينه بما يتوافق مع الأذن الغربية. ويعتبر حميدو الفرقة سفيرًا لموسيقى المنطقة في الخارج، ويتطلع إلى التعاون مع فنانين تونسيين لابتكار مزيج بين المالوف التونسي والشعبي الجزائري والمالوف العنابي والقسطنطيني والغرناطي، انطلاقًا من قناعة أنّ المنطقة المغاربية بأكملها تنحدر من منبع موسيقي واحد.

تحوّلت سهرة ليلة أمس إلى تجربة فنية وجمالية تتجاوز حدود الموسيقى، لتفتح أمام الجمهور أبواب السفر بين الثقافات، وتؤكّد على أنّ الفن، حين يلتقي بالأصالة والابتكار، قادر على بناء جسور بين الشعوب.

ليندا بلحاج